فصل: كِتَابُ الْغَصْبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏في رَدِّ الْعَارِيَّةِ‏]‏

المتن‏:‏

لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ إلَّا إذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ فَلَا يَرْجِعُ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ لِلْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ ‏(‏رَدُّ الْعَارِيَّةِ مَتَى شَاءَ‏)‏ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً وَالْمُدَّةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُبْرَمَةٌ مِنْ الْمُعِيرِ، وَارْتِفَاقٌ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَلِيقُ بِهَا الْإِلْزَامُ، وَرَدُّ الْمُعِيرِ بِمَعْنَى رُجُوعِهِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَدِيعَةِ ‏(‏إلَّا إذَا‏)‏ كَانَتْ الْعَارِيَّةُ لَازِمَةً كَمَنْ ‏(‏أَعَارَ‏)‏ أَرْضًا ‏(‏لِدَفْنٍ‏)‏ لِمَيِّتٍ مُحْتَرَمٍ وَفَعَلَ الْمُسْتَعِيرُ ‏(‏فَلَا يَرْجِعُ‏)‏ أَيْ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ، وَامْتَنَعَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ رَدُّهَا، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا ‏(‏حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ‏)‏، بِأَنْ يَصِيرَ تُرَابًا لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ غَيْرُ عَجْبِ الذَّنَبِ، وَهُوَ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي طَرَفِ الْعُصْعُصِ لَا جَمِيعِ الْعُصْعُصِ، وَلَمَّا كَانَ لَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِاسْتِثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْلَى أَبَدًا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْمَيِّتِ، وَلَهُمَا الرُّجُوعُ قَبْلَ وَضْعِهِ فِيهِ، لَا بَعْدَ وَضْعِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَارَ بِالتُّرَابِ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ، وَلَيْسَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا تَصْرِيحٌ بِتَرْجِيحٍ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَكَلَامُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ يُوَافِقُ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ ا هـ‏.‏

وَصُورَةُ ذَلِكَ بَعْدَ الْبِلَى، إذَا أَذِنَ الْمُعِيرُ فِي تَكْرَارِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْبِلَى لَا يَسْتَحِقُّ الْمُعِيرُ أُجْرَةً كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ غَيْرُ قَاضٍ بِهِ وَالْمَيِّتُ لَا مَالَ لَهُ، وَلِلْمُعِيرِ سَقْيُ شَجَرٍ بِالْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الْقَبْرُ إنْ أَمِنَ ظُهُورَ شَيْءٍ مِنْ الْمَيِّتِ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَظْهَرَهُ السَّيْلُ مِنْ قَبْرِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏:‏ يَجِبُ إعَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حَقًّا لَهُ مُؤَبَّدًا‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ دَفْنَهُ عَلَى الْفَوْرِ وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى حَفْرِ غَيْرِهِ وَنَقْلِهِ إلَيْهِ تَأْخِيرٌ لِلْوَاجِبِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّيْلَ إنْ حَمَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ يُمْكِنُ دَفْنُهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ مُنِعَ إعَادَتُهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعَلَى الْمُعِيرِ لِوَلِيِّ الْمَيِّتِ مُؤْنَةُ حَفْرِ مَا رَجَعَ فِيهِ قَبْلَ الدَّفْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُوَرِّطُ لَهُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ بَادَرَ الْمُعِيرُ إلَى زِرَاعَةِ الْأَرْضِ بَعْدَ تَكْرِيبِ الْمُسْتَعِيرِ لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ التَّكْرِيبِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّفْنَ لَا يُمْكِنُ، إلَّا بِالْحَفْرِ بِخِلَافِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِدُونِ التَّكْرِيبِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الطَّمُّ لَمَّا حَفَرَهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَوْرَدَهُ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِيمَا ذَكَرَهُ مَسَائِلَ‏.‏ مِنْهَا مَا لَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ أَجْنَبِيٌّ وَقُلْنَا‏:‏ إنَّ الْكَفَنَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْأَجْنَبِيِّ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ فَهُوَ عَارِيَّةٌ لَازِمَةٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ‏:‏ أَيْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَوْ نَبَشَ الْمَيِّتَ سَبْعٌ وَأَكَلَهُ فَقَدْ انْتَهَتْ الْعَارِيَّةُ، فَيَرْجِعُ إلَى الْمُعِيرِ وَلَا يُسَمَّى رَاجِعًا فِي الْعَارِيَّةِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِزَيْدٍ شَهْرًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِكِ، وَهُوَ الْوَارِثُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الشَّهْرِ كَمَا قَالَاهُ فِي التَّدْبِيرِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ نَذَرَ الْمُعِيرُ أَنْ لَا يَرْجِعَ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ مَثَلًا أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعِيرَهُ سِنَةً مَثَلًا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ قَبْلَ السَّنَةِ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي التَّدْبِيرِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَ سَفِينَةً فَوَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ فِيهَا مَتَاعًا ثُمَّ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ فِي اللُّجَّةِ لَمْ يَجِبْ، لِذَلِكَ لِأَجْلِ الضَّرَرِ لَا لِلُزُومِهَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ وَيَظْهَرُ أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ، كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِزَرْعٍ فَرَجَعَ قَبْلَ انْتِهَائِهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً أَوْ سِلَاحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِلْغَزْوِ فَالْتَقَى الصَّفَّانِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَنْكَشِفَ الْقِتَالُ قَالَهُ الْخَفَّافُ فِي الْخِصَالِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، فَأَعَارَهُ ثَوْبًا لِيَسْتُرَ بِهِ عَوْرَتَهُ أَوْ لِيَفْرِشَهُ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ فَفَعَلَ وَكَانَ الرُّجُوعُ مُؤَدِّيًا إلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ فَيُحْتَمَلُ مَنْعُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَيُحْتَمَلُ الْجَوَازُ وَتَكُونُ فَائِدَتُهُ طَلَبَ الْأُجْرَةِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ عَنْ الْبَحْرِ‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُعِيرِ الِاسْتِرْدَادُ وَلَا لِلْمُسْتَعِيرِ الرَّدُّ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ‏:‏ أَنَّ الْمُعِيرَ لَوْ رَجَعَ فِي الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَبَنَى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ شَيْخِي‏:‏ أَنْ يُقَالَ فِي اسْتِعَارَةِ السُّتْرَةِ لِلصَّلَاةِ إنْ اسْتَعَارَهَا لِيُصَلِّيَ فِيهَا الْفَرْضَ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا أَوْ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ فَقَطْ إنْ أَحْرَمَ فِيهَا بِفَرْضٍ، وَجَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِمَا إنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ، وَيُحْمَلُ مَا ذُكِرَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ سُتْرَةً يَسْتَتِرُ بِهَا فِي الْخَلْوَةِ، فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ دَارًا لِسُكْنَى الْمُعْتَدَّة فَهِيَ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَعِيرِ أَيْضًا، وَمِنْهَا مَا لَوْ اسْتَعَارَ سِلَاحًا وَنَحْوَهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَمَّا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي كِتَابِ الصِّيَالِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ مَا يَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ الْمُهْلِكَيْنِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اسْتَعَارَ مَا يُنَجَّى بِهِ مِنْ الْغَرَقِ وَيُطْفِئُ بِهِ الْحَرَقَ، وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً ثُمَّ رَجَعَ إنْ كَانَ شَرَطَ الْقَلْعَ مَجَّانًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا، بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَوْ الْغِرَاسِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً‏)‏، بِأَنْ أَطْلَقَ ‏(‏ثُمَّ رَجَعَ‏)‏ بَعْدَ أَنْ بَنَى الْمُسْتَعِيرُ أَوْ غَرَسَ ‏(‏إنْ كَانَ‏)‏ الْمُعِيرُ ‏(‏شَرَطَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏الْقَلْعَ‏)‏ فَقَطْ أَوْ شَرَطَهُ ‏(‏مَجَّانًا‏)‏ أَيْ بِلَا أَرْشٍ لِنَقْصِهِ ‏(‏لَزِمَهُ‏)‏ قَلْعُهُ عَمَلًا بِالشَّرْطِ، فَإِنْ امْتَنَعَ فَلِلْمُعِيرِ الْقَلْعُ، وَيَلْزَمُ الْمُسْتَعِيرَ تَسْوِيَةُ الْحَفْرِ إنْ شُرِطَتْ، وَإِلَّا فَلَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ مَجَّانًا كَذَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَكُتُبِ الرَّافِعِيِّ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ كَمَا فَعَلَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي لَوْلَا الَّذِي قَدَّرْتُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ مَجَّانًا إلَّا عِنْدَ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ احْتَرَزَ بِهِ عَمَّا لَوْ شُرِطَ الْقَلْعُ وَغَرَامَةُ الْأَرْشِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ هَلْ شُرِطَ الْقَلْعُ بِأَرْشِ أَوْ لَا‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ الظَّاهِرُ تَصْدِيقُ الْمُعِيرِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي شَيْءٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ‏:‏ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ ‏(‏فَإِنْ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ‏)‏ بِلَا أَرْشٍ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَقَدْ رَضِيَ بِنُقْصَانِهِ ‏(‏وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فِي الْمُحَرَّرِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَقْلَعَ رِضًا بِمَا يَحْدُثُ مِنْ الْقَلْعِ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ الْأَصَحُّ تَلْزَمُهُ‏)‏ التَّسْوِيَةُ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ لِأَنَّهُ قَلَعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، فَيَلْزَمُهُ إذَا قَلَعَ رَدُّ الْأَرْضِ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ لِيَرُدَّ كَمَا أَخَذَ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ فِي الشَّرْحَيْنِ‏.‏

وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ‏:‏ إنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَأَنَّ مَا فِي الْمُحَرَّرِ ضَعِيفٌ‏.‏

وَقَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ إنْ كَانَ الْكَلَامُ فِي حُفَرٍ حَصَلَتْ فِي مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ، لِأَجْلِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ فَالْأَمْرُ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَإِنْ كَانَ فِي حُفَرٍ حَصَلَتْ مِنْ الْقَلْعِ زَائِدَةً عَلَى مَا حَصَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَالرَّاجِحُ وُجُوبُ التَّسْوِيَةِ، ثُمَّ قَالَ فَتَلَخَّصَ لِلْفَتْوَى الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَفْرِ لِأَجْلِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، وَبَيْنَ الْحَفْرِ لِلْقَلْعِ، وَهَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيَّنٌ

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ‏:‏ إذَا كَانَتْ الْحُفَرُ الْحَاصِلَةُ فِي الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى حَاجَةِ الْقَلْعِ لَزِمَهُ طَمُّ الزَّائِدِ قَطْعًا ‏(‏وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ‏)‏ أَيْ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ ‏(‏لَمْ يَقْلَعْ‏)‏ أَيْ الْمُعِيرُ ‏(‏مَجَّانًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَهُوَ مُحْتَرَمٌ ‏(‏بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ‏)‏ أَيْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ ‏(‏أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ‏)‏ وَهُوَ قَدْرُ التَّفَاوُتِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا وَمَقْلُوعًا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ ‏(‏قِيلَ أَوْ يَتَمَلَّكَهُ‏)‏؛ أَيْ بَعْدُ وَلَا يُلْحَقُ بِالشَّفِيعِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ ‏(‏بِقِيمَتِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ مُسْتَحِقِّ الْقَلْعِ حِينَ التَّمَلُّكِ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ، فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَنْقُصُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّرَاضِي، وَتَخْيِيرُهُ بَيْنَ الثَّلَاثِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وِفَاقًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ وَصَاحِبِ الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِمْ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الصُّلْحِ خِلَافًا لِمَا فِيهَا هُنَا مِنْ تَخْصِيصِ التَّخْيِيرِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِث‏.‏

وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِأَصْلِهِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ وَبَيْنَ الْقَلْعِ مَعَ غَرَامَةِ الْأَرْشِ، دُونَ التَّمَلُّكِ بِالْقِيمَةِ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَجْهًا فَضْلًا عَنْ تَصْحِيحِهِ بَلْ لَمْ يَذْكُرْهُ غَيْرُهُمَا إلَّا مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ التَّنْبِيهِ، بَلْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخَانِ، بَلْ الْكُلُّ مُتَّفِقُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى كَافَّةِ الْأَصْحَابِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثِ إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ نَقْصٌ وَكَانَ الْمُعِيرُ غَيْرَ شَرِيكٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْغِرَاسِ ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهُ وَإِلَّا، فَيَتَعَيَّنُ الْقَلْعُ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّبْقِيَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الثَّانِي وَتَأْخِيرُ التَّخْيِيرِ إلَى بَعْدِ الْجَذَاذِ كَمَا فِي الزَّرْعِ فِي الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، وَإِذَا لَمْ يَرْضَ الشَّرِيكُ فِي الثَّانِي بِالْأُجْرَةِ أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُوقَفْ الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ وَإِلَّا قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، فَيَتَعَيَّنُ تَبْقِيَتُهُمَا بِالْأُجْرَةِ، وَالزَّرْكَشِيُّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَلْعِهِمَا بِالْأَرْشِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَمَحِلُّهُ أَيْضًا إذَا لَمْ يُوقِفْ الْأَرْضَ وَإِلَّا، فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ الثَّلَاثِ، لَكِنْ لَا يَقْلَعُ بِالْأَرْشِ، إلَّا إذَا كَانَ أَصْلَحَ لِلْوَقْفِ مِنْ التَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ، وَلَا يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ، إلَّا إذَا كَانَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ جَوَازُ تَحْصِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ مِنْ رِيعِهِ، وَبِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا إنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ، ثُمَّ قِيلَ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا، وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلتَّفَرُّجِ، وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالْإِصْلَاحِ فِي الْأَصَحِّ وَلِكُلٍّ بَيْعُ مِلْكِهِ، وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ غُصْنًا لَهُ وَوَصَلَهُ بِشَجَرَةِ غَيْرِهِ فَثَمَرَةُ الْغُصْنِ لِمَالِكِهِ، لَا لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ كَمَا لَوْ غَرَسَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْوَصْلُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَلَيْسَ لَهُ قَلْعُهُ مَجَّانًا بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يَقْلَعَهُ مَعَ غَرَامَةِ أَرْشِ النَّقْصِ وَلَا يَتَمَلَّكَهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ قُلْنَا فِيمَا مَرَّ‏:‏ إنَّهُ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ‏)‏ أَيْ الْمُعِيرُ وَاحِدَةً مِنْ الْخِصَالِ الَّتِي خُيِّرَ فِيهَا ‏(‏لَمْ يَقْلَعْ مَجَّانًا‏)‏ أَيْ‏:‏ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ‏(‏إنْ بَذَلَ‏)‏ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ‏:‏ أَيْ أَعْطَى ‏(‏الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ‏)‏ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ ‏(‏وَكَذَا إنْ لَمْ يَبْذُلْهَا فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ الِاخْتِيَارِ رَاضٍ بِإِتْلَافِ مَنَافِعِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَقْلَعُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِمَالِهِ مَجَّانًا ‏(‏ثُمَّ‏)‏ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏قِيلَ‏:‏ يَبِيعُ الْحَاكِمُ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا‏)‏ مِنْ بِنَاءٍ وَغِرَاسٍ ‏(‏وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمَا‏)‏ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ بَعْدُ فَصْلًا لِلْخُصُومَةِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ الْحَاكِمُ ‏(‏يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيْئًا‏)‏ أَيْ‏:‏ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ وَيُوَافِقُهُ الْمُسْتَعِيرُ عَلَيْهِ لِيَنْقَطِعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إثْبَاتُ الْأَلِفِ فِي يَخْتَارَا كَمَا رَأَيْتهَا بِخَطِّهِ وَهُوَ مَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَلَكِنَّ الَّذِي فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الشَّرْحَيْنِ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ يَخْتَارُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَصَحَّحَ بِخَطِّهِ عَلَى مَوْضِعِ سُقُوطِ الْأَلِفِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَهُوَ أَحْسَنُ‏.‏

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُعِيرِ كَافٍ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ ا هـ‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ الْوَجْهَ إثْبَاتُهَا، ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ عَبَّرُوا عَنْ الْوَجْهِ الْأَصَحِّ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا‏:‏ انْصَرِفَا حَتَّى تَصْطَلِحَا عَلَى شَيْءٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ يَخْتَارَا أَثْبَتُ فِي النَّقْلِ وَأَعَمُّ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحَيْنِ إسْقَاطَ الْأَلِفِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا أَوْجَهُ، وَهُوَ الَّذِي خَلَّيْتُ عَلَيْهِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلشَّارِحِ فَإِنَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَخْتَارُ مَا لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ وَلَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلِلْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا‏)‏ فِي مُدَّةِ الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَلَهُ الِاسْتِظْلَالُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَالظَّاهِرُ لُزُومُ الْأُجْرَةِ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ، وَجَزَمَ فِي الْبَحْرِ بِأَنْ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخِيرَةَ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ ‏(‏وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيْرِ إذْنٍ‏)‏ مِنْ الْمُعِيرِ ‏(‏لِلتَّفَرُّجِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَيْهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

التَّفَرُّجُ لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ لَعَلَّهَا مِنْ انْفِرَاجِ الْهَمِّ وَهُوَ انْكِشَافُهُ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَحْرِيرِهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ بَدَلَهَا بِلَا حَاجَةٍ لَكَانَ أَوْلَى، ‏(‏وَيَجُوزُ‏)‏ الدُّخُولُ ‏(‏لِلسَّقْيِ‏)‏ لِلْغِرَاسِ ‏(‏وَالْإِصْلَاحِ‏)‏ لَهُ أَوْ لِلْبِنَاءِ صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَيَجُوزُ أَيْضًا لِأَخْذِ ثَمَرٍ أَوْ جَرِيدٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غِرَاسِهِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ تَعَطَّلَ نَفْعُ الْأَرْضِ عَلَى مَالِكِهَا بِدُخُولِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ دُخُولِهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي الْمُعِيرِ عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِنَادِ إلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا، وَحَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِمَا مَرَّ فِي الصُّلْحِ مِنْ جَوَازِ هَذَا فِي جِدَارِ الْأَجْنَبِيِّ‏.‏ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى مَا فِيهِ ضَرَرٌ، فَإِذَا لَا فَرْقَ، وَإِنْ فُرِّقَ بِأَنَّ الْمُعِيرَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ، فَلِهَذَا مُنِعَ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ‏(‏وَلِكُلٍّ‏)‏ مِنْ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ ‏(‏بَيْعُ مِلْكِهِ‏)‏ مِنْ صَاحِبِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، فَإِنْ بَاعَ الْمُعِيرُ لِثَالِثٍ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ، وَإِنْ بَاعَ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ الْمُعِيرُ عَلَى خِيَرَتِهِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ إنْ جُهِلَ الْحَالُ، وَلَوْ بَاعَا مَعًا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَيُوَزَّعُ الثَّمَنَ عَلَيْهِمَا‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ كَمَا فِي رَهْنِ الْأُمِّ دُونَ الْوَلَدِ‏.‏

وَقَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ يُوَزَّعُ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَعَلَى حِصَّةِ مَا فِيهَا وَحْدَهُ، فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ وَحِصَّةُ مَا فِيهَا لِلْمُسْتَعِيرِ، وَبِهَذَا جَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ ‏(‏وَقِيلَ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ، فَإِنَّ لِلْمُعِيرِ تَمَلُّكَهُ بِالْقِيمَةِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْبَيْعَ كَمَا فِي بَيْعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّ لِلْمُعِيرِ بَيْعَهُ لِثَالِثٍ قَطْعًا، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ فِيهِ وَجْهٌ صَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ بَقَاءِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ مَجْهُولَةٌ، وَلَوْ أَجَّرَ الْمُعِيرُ الْأَرْضَ فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الصِّحَّةُ إنْ أَمْكَنَ التَّفْرِيغُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ لِمِثْلِهِ أُجْرَةٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطْلَقَةِ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَّانًا إذَا رَجَعَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْعَارِيَّةُ الْمُؤَقَّتَةُ‏)‏ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ غَيْرِهِ ‏(‏كَالْمُطْلَقَةِ‏)‏ فِيمَا مَرَّ مِنْ الْأَحْكَامِ، إذَا انْتَهَتْ الْمُدَّةُ أَوْ رَجَعَ فِيهَا‏.‏ لَكِنْ فِي الْمُؤَقَّتَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ وَيَبْنِيَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى مَا لَمْ تَنْقُصْ الْمُدَّةُ أَوْ يَرْجِعْ الْمُعِيرُ‏.‏ وَفِي الْمُطْلَقَةِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً‏.‏ فَإِنْ قَلَعَ مَا بَنَاهُ أَوْ غَرَسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إعَادَتُهُ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ إلَّا إنْ صُرِّحَ لَهُ بِالتَّجْدِيدِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الزَّرْعِ وَغَيْرِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فِي مَعْنَاهُمَا‏.‏ فَإِنْ فَعَلَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا بِرُجُوعِهِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ قَلَعَ مَجَّانًا وَكُلِّفَ تَسْوِيَةَ الْأَرْضِ كَالْغَاصِبِ فِي حَالَةِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ مَا نَبَتَ بِحَمْلِ السَّيْلِ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا‏)‏ أَيْ الْمُؤَقَّتَةِ ‏(‏مَجَّانًا إذَا رَجَعَ‏)‏ بَعْدَ الْمُدَّةِ وَيَكُونُ هَذَا فَائِدَةَ التَّأْقِيتِ، وَمُقَابِلُهُ يَقُولُ‏:‏ فَائِدَتُهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ هَذَا الْقَوْلِ بَعْدَ الْمُدَّةِ كَمَا قَدَّرْتُهُ وَهُوَ بَعْدَهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى رُجُوعٍ، فَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالِانْتِهَاءِ دُونَ الرُّجُوعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا أَعَارَهُ لِزِرَاعَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ، وَأَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرَكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ مَجَّانًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِذَا أَعَارَهُ‏)‏ أَرْضًا ‏(‏لِزِرَاعَةٍ‏)‏ مُطْلَقًا ‏(‏وَرَجَعَ‏)‏ الْمُعِيرُ ‏(‏قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيْهِ الْإِبْقَاءَ إلَى الْحَصَادِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ وَلَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ‏.‏ وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ وَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا لَهُ قَلْعُهُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَهُ التَّمَلُّكُ بِالْقِيمَةِ فِي الْحَالِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ الزَّرْعُ مِمَّا يُعْتَادُ قَلْعُهُ فَصِيلًا كُلِّفَ الْقَلْعَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْقُصْ بِالْقَلْعِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ قَلْعُهُ ‏(‏وَ‏)‏ الصَّحِيحُ، وَفِي الرَّوْضَةِ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّ لَهُ الْأُجْرَةَ‏)‏ مِنْ وَقْتِ الرُّجُوعِ إلَى الْحَصَادِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ، فَأَشْبَهَ مَا إذَا أَعَارَ دَابَّةً ثُمَّ رَجَعَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَقْلَ مَتَاعِهِ إلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ إلَى الْحَصَادِ كَالْمُسْتَوْفَاةِ بِالزَّرْعِ‏.‏ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَا هُوَ كَالْمُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏فَلَوْ عَيَّنَ‏)‏ الْمُعِيرُ ‏(‏مُدَّةً‏)‏ لِلزِّرَاعَةِ ‏(‏وَلَمْ يُدْرِكْ‏)‏ أَيْ‏:‏ الزَّرْعُ ‏(‏فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمُسْتَعِيرِ ‏(‏بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ‏)‏ الْمُعِيرُ الزَّرْعَ ‏(‏مَجَّانًا‏)‏ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ مُقَصِّرًا، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ قَصَّرَ بِالزَّرْعِ، وَلَمْ يُقَصِّرْ بِالتَّأْخِيرِ كَأَنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ سَيْلٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ نَحْو ذَلِكَ، لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الزَّرْعُ ثُمَّ زَرَعَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ وَهُوَ لَا يُدْرِكُ فِي الْمُدَّةِ، فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْلَعُ مَجَّانًا بَلْ يَكُونُ كَمَا لَوْ أَعَارَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ لِحَرٍّ أَمْ بَرْدٍ أَمْ مَطَرٍ أَمْ لِقِلَّةِ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَمْ لِأَكْلِ الْجَرَادِ رُءُوسَ الزَّرْعِ فَنَبَتَ ثَانِيًا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْإِجَارَةِ أَنَّهُ إذَا أَبْدَلَ الزَّرْعَ الْمُعَيَّنَ بِغَيْرِهِ كَانَ كَالتَّقْصِيرِ بِالتَّأْخِيرِ، فَيَأْتِي مِثْلُهُ هُنَا أَيْضًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَمَلَ السَّيْلُ‏)‏ أَوْ نَحْوُهُ كَهَوَاءٍ ‏(‏بَذْرًا‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏إلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏فَهُوَ‏)‏ أَيْ‏:‏ النَّابِتُ ‏(‏لِصَاحِبِ الْبَذْرِ‏)‏ بِإِعْجَامِ الذَّالِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ تَحَوَّلَ إلَى صِفَةٍ أُخْرَى فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، فَيَجِبُ رَدُّهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ وَعَلِمَهُ وَإِلَّا، فَيَرُدُّهُ إلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْغَائِبِ وَيَحْفَظُ الْمَالَ الضَّائِعَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمَلَ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ الْمَحْمُولُ لَا قِيمَةَ لَهُ كَحَبَّةٍ أَوْ نَوَاةٍ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا مَالِكُهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ ‏(‏وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ‏)‏ أَيْ‏:‏ الْمَالِكَ ‏(‏يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ‏)‏ أَيْ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَهُوَ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْقَلْعِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ لِعَدَمِ فِعْلِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا أَعْرَضَ عَنْهَا مَالِكُهَا وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَذْرًا‏:‏ أَيْ مَا سَيَصِيرُ مَبْذُورًا تَسْمِيَةٌ لِاسْمِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ فَفِيهِ تَجَوُّزٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَلَوْ لَمْ يَنْبُتْ الْمَحْمُولُ الَّذِي لَمْ يُعْرِضْ عَنْهُ مَالِكُهُ لَزِمَ رَدُّهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ، وَإِلَّا فَلِلْقَاضِي كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَالَ لِمَالِكِهَا أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ بَلْ أَجَرْتُكهَا، أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعَرْتَنِي‏.‏

وَقَالَ بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي، فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَذِي الْيَدِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ رَكِبَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏دَابَّةً‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏وَقَالَ لِمَالِكِهَا‏:‏ أَعَرْتنِيهَا فَقَالَ‏)‏، لَهُ مَالِكُهَا‏:‏ ‏(‏بَلْ أَجَرْتُكهَا‏)‏ مُدَّةَ كَذَا بِكَذَا ‏(‏أَوْ اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ إذَا اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَالدَّابَّةُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا كَالْأَعْيَانِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَيْنِ‏.‏ بَعْدَ تَلَفِهَا، كَأَنْ أَكَلَ طَعَامَ غَيْرِهِ وَقَالَ‏:‏ كُنْتُ أَبَحْتُهُ لِي وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ؛ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، فَكَذَا هُنَا، فَيَحْلِفُ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ‏:‏ الْمُسَمَّى، وَقِيلَ‏:‏ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا، وَالْمُرَادُ بِتَصْدِيقِ الْمَالِكِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ، لَا فِي أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْآخَرُ مِنْ أَخْذِ الْمَنَافِعِ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، فَإِنْ نَكَلَ الْمَالِكُ لَمْ يَحْلِفْ الرَّاكِبُ وَلَا الزَّارِعُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَدَّعِيَانِ الْإِعَارَةَ وَلَيْسَتْ لَازِمَةً، وَقِيلَ يَحْلِفَانِ وَنُسِبَ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ لِلتَّخْلِيصِ مِنْ غُرْمٍ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَصَّدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَافَقَهُمَا عَلَى إبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ لَهُمَا، وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي يَدَّعِيهَا‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ يَصَّدَّقُ الْمَالِكُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ الدَّوَابَّ يَكْثُرُ فِيهَا الْإِعَارَةُ بِخِلَافِ الْأَرْضِ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، فَالْمُصَدَّقُ الرَّاكِبُ وَالزَّارِعُ، فَيَحْلِفُ مَا أَجَرْتنِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا حَتَّى نَجْعَلَهُ مُدَّعِيًا لِسُقُوطِ بَدَلٍ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ تَلَفِ الدَّابَّةِ، فَإِنْ تَلِفَتْ عَقِبَ الْأَخْذِ فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكِرِهَا فَتُرَدُّ بِرَدِّهِ، أَوْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، فَالرَّاكِبُ مُقِرٌّ بِالْقِيمَةِ لِمُنْكَرٍ لَهَا وَهُوَ يَدَّعِي الْأُجْرَةَ فَيُعْطِي قَدْرَ الْأُجْرَةِ مِنْ الْقِيمَةِ بِلَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ، فِيمَا إذَا زَادَتْ عَلَى الْقِيمَةِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَصَّدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ ‏(‏لَوْ قَالَ‏)‏ الرَّاكِبُ أَوْ الزَّارِعُ‏:‏ ‏(‏أَعَرْتَنِي فَقَالَ‏)‏ الْمَالِكُ‏:‏ ‏(‏بَلْ غَصَبْتَ مِنِّي‏)‏، وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ بِحَقٍّ ‏(‏فَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ‏)‏ بِمَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَارِيَّةِ قَبْلَ رَدِّهَا ‏(‏فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ‏)‏؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَعَارِ مَضْمُونٌ، ‏(‏لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْعَارِيَّةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ‏)‏ وَهُمَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ ‏(‏فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ‏)‏ بِالْغَصْبِ ‏(‏أَكْثَرَ‏)‏ مِنْ قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ ‏(‏حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ‏)‏؛ لِأَنَّ غَرِيمَهُ يُنْكِرُهَا‏.‏

وَأَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ،، فَيَأْخُذُهُ بِلَا يَمِينٍ لِمُوَافَقَةِ غَرِيمِهِ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي كُتُبِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقِيمَةِ بَيْنَ الْمُتَقَوِّمِ وَالْمِثْلِيِّ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَالْبَحْرِ إنْ ضَمَّنَّاهُ الْمُتَقَوِّمَ بِالْأَقْصَى أَوْجَبْنَا الْمِثْلَ فِي الْمِثْلِيِّ وَإِنْ ضَمَّنَّاهُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَفِي الْمِثْلِيِّ الْقِيمَةُ أَيْضًا، فَمَا فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ مَاشٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِالْمِثْلِ‏.‏

وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ‏.‏ يُضْمَنُ الْمِثْلِيُّ بِالْمِثْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ‏.‏

وَقَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّف‏:‏ لَكِنَّ‏.‏‏.‏ إلَخْ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ الْعَارِيَّةَ هَلْ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ بِغَيْرِ الِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ أَوْ بِالْأَقْصَى أَوْ بِيَوْمِ الْقَبْضِ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ‏.‏ تَتِمَّةٌ‏:‏ لَوْ قَالَ الْمَالِكُ‏:‏ غَصَبَتْنِي وَقَالَ الرَّاكِبُ‏:‏ أَجَرْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْفَعَةِ، فَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، وَلَهُ فِيمَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ أَخَذَ قَدْرِ الْمُسَمَّى بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُقِرٌّ لَهُ بِهِ، وَيَحْلِفُ لِلزَّائِدِ عَلَى الْمُسَمَّى وَقِيمَةِ الْمُعَيَّنِ إنْ تَلِفَتْ، وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ‏:‏ غَصَبْتنِي وَقَالَ ذُو الْيَدِ‏:‏ أَوْدَعْتنِي صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ وَأَخَذَ الْقِيمَةَ إنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ، إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِجَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ، فَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ الْعَيْنُ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ مَضَتْ فَالْمَالِكُ مُدَّعٍ لِلْمُسَمَّى وَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ الْمُسَمَّى عَلَيْهَا أَخَذَهُ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا حَلَفَ لِلزَّائِدِ، وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ الْإِعَارَةَ وَذُو الْيَدِ الْغَصْبَ فَلَا مَعْنَى لِلنِّزَاعِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ بَاقِيَةً وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، وَإِنْ مَضَتْ فَذُو الْيَدِ مُقِرٌّ بِالْأُجْرَةِ لِمُنْكِرِهَا وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلُ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَزِدْ أَقْصَى الْقِيَمِ عَلَى قِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ أَخَذَ الْقِيمَةَ بِلَا يَمِينٍ، وَإِلَّا فَالزِّيَادَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لِمُنْكِرِهَا‏:‏ وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ، فَالْأُجْرَةُ مُقِرٌّ بِهَا ذُو الْيَدِ لَمُنْكِرِهَا‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فِي رَدِّ الْعَارِيَّةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعِيرِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ مَعَ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَحْضِ حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ جَاهِلًا بِرُجُوعِ الْمُعِيرِ لَمْ تَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الضَّمَانُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَعَدَمِهِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَسْلِيطِ الْمَالِكِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ السُّلْطَةِ، وَبِأَنَّهُ الْمُقَصِّرُ بِتَرْكِ الْإِعْلَامِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ الْجَوَابُ الثَّانِي مُشْكِلٌ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا اقْتَصَّ جَاهِلًا بِعَزْلِ الْمُسْتَحِقِّ‏.‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَوَكُّلِهِ فِي الْقَوَدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ إذْ الْعَفْوُ فِيهِ مَطْلُوبٌ فَضَمِنَ زَجْرًا لَهُ عَنْ التَّوَكُّلِ فِيهِ‏.‏

كِتَابُ الْغَصْبِ

المتن‏:‏

هُوَ‏:‏ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْغَصْبِ ‏(‏هُوَ‏)‏ لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ ظُلْمًا، وَقِيلَ‏:‏ أَخَذَهُ ظُلْمًا جِهَارًا‏.‏ وَشَرْعًا ‏(‏الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا‏)‏ أَيْ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي وَيُرْجَعُ فِي الِاسْتِيلَاءِ لِلْعُرْفِ، وَذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَمْثِلَةً يَتَّضِحُ بِهَا سَتَأْتِي‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْمَنَافِعَ، وَالْكَلْبَ وَالسِّرْجِينَ وَجِلْدَ الْمَيْتَةِ وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ وَسَائِرَ الِاخْتِصَاصَاتِ كَحَقِّ التَّحَجُّرِ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ، أَنَّهُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّقْيِيدِ بِالْعُدْوَانِ، بَلْ يَثْبُتُ الْغَصْبُ وَحُكْمُهُ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَأَخْذِهِ مَالَ غَيْرِهِ يَظُنُّهُ مَالَهُ‏.‏ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ‏:‏ وَالْأَشْبَهُ التَّقْيِيدُ بِهِ، وَالثَّابِتُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ حُكْمُ الْغَصْبِ لَا حَقِيقَتُهُ‏.‏ قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ مَمْنُوعٌ وَهُوَ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْغَصْبَ يَقْتَضِي الْإِثْمَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ كَانَ غَالِبًا‏.‏

وَقَالَ شَيْخِي‏:‏ الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي تَعْرِيفِهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْغَصْبَ ضَمَانًا وَإِثْمًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ عُدْوَانًا، وَضَمَانًا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا الِاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عُدْوَانًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ يَرُدُّ عَلَى التَّعْرِيفِ السَّرِقَةُ فَإِنَّهُ صَادِقٌ بِهَا وَلَيْسَتْ غَصْبًا‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهَا غَصْبٌ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا سَرِقَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ زَائِدٌ عَلَى الْغَصْبِ بِشَرْطِهِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ إنَّ السَّارِقَ وَالْمُخْتَلِسَ خَرَجَا بِقَوْلِ الِاسْتِيلَاءِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ يَنْبَنِي عَلَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُحَابَاةِ وَهُوَ كَارِهٌ فِي مَعْنَى الْغَصْبِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏.‏

وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ‏:‏ مَنْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِهِ مَالًا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ بِبَاعِثِ الْحَيَاءِ وَالْقَهْرِ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمَغْصُوبُ نِصَابَ سَرِقَةٍ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا‏:‏ أَيْ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ كَانَ كَافِرًا، وَمَنْ فَعَلَهُ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ كَانَ فَاسِقًا‏.‏ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ آيَاتٌ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏}‏، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي التَّطْفِيفِ وَهُوَ غَصْبُ الْقَلِيلِ فَمَا ظَنُّكَ بِغَصْبِ الْكَثِيرِ، وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى ‏{‏وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}‏ أَيْ لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ‏.‏ وَأَخْبَارٌ مِنْهَا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ‏}‏ وَمِنْهَا خَبَرُهُمَا أَيْضًا ‏{‏مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ‏}‏ وَمَعْنَى طَوَّقَهُ كُلِّفَ حَمْلَهُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ يُجْعَلُ فِي حَلْقِهِ كَالطَّوْقِ‏.‏

المتن‏:‏

فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ فَغَاصِبٌ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَمْثِلَةِ الَّتِي يَتَّضِحُ بِهَا فَقَالَ‏:‏ ‏(‏فَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً، أَوْ جَلَسَ عَلَى فِرَاشٍ‏)‏ لِغَيْرِهِ ‏(‏فَغَاصِبٌ، وَإِنْ لَمْ يُنْقَلْ‏)‏ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ لِحُصُولِ الْغَايَةِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ، وَهِيَ الِانْتِفَاعُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْغَصْبَ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْفِرَاشِ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ إذَا حَضَرَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ وَكَانَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ التَّصَرُّفَ فِي ذَلِكَ، أَنَّ قِيَاسَ مَا يَأْتِي فِي الْعَقَارِ أَنْ يَكُونَ غَاصِبًا لِنِصْفِهِ فَقَطْ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَظِيرُهُ، وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي‏:‏ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّف قَدْ يُفْهِمُ أَنَّ غَيْرَ الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ، أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النَّقْلِ، وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ التَّعْجِيزِ فَقَالَ‏:‏ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْقُولِ النَّقْلُ إلَّا فِي الدَّابَّةِ وَالْفِرَاشِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِمَا يَتِمُّ بِالرُّكُوبِ وَالْجُلُوسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِيهِ جُعِلَتْ الْيَدُ لَهُ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا، فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ وَلَمْ يَدْخُلْ فَغَاصِبٌ، وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهٌ وَاهٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ دَخَلَ دَارِهِ‏)‏ أَيْ‏:‏ دَارَ غَيْرِهِ بِعِيَالٍ أَوْ بِدُونِهِمْ عَلَى هَيْئَةِ مَنْ يَقْصِدُ السُّكْنَى، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِيلَاءَ ‏(‏وَأَزْعَجَهُ عَنْهَا‏)‏ أَيْ أَخْرَجَهُ مِنْهَا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ سِيدَهْ ‏(‏أَوْ أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ‏)‏ بِمَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا فِي بَيْعِهَا وَهُوَ التَّسَلُّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ ‏(‏وَلَمْ يَدْخُلْ‏)‏ هَا ‏(‏فَغَاصِبٌ‏)‏ أَمَّا فِي الْأُولَى، فَلِأَنَّ وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ يُغْنِي عَنْ قَصْدِهِ‏.‏

وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي قَبْضِهَا دُخُولُهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْإِمَامُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقَهَرَهُ عَلَى الدَّارِ، فَإِنْ وُجِدَ الْإِزْعَاجُ فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ السُّكْنَى فِي الْأُولَى كَمَنْ يَهْجُمُ الدَّارَ لِإِخْرَاجِ صَاحِبِهَا كَظَالِمٍ وَلَا يُقِيمُ، فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَا يَضْمَنُهَا ‏(‏وَفِي الثَّانِيَةِ‏)‏ وَهِيَ فِيمَا إذَا أَزْعَجَهُ وَقَهَرَهُ وَلَمْ يَدْخُلْ ‏(‏وَجْهٌ وَاهٍ‏)‏ أَيْ ضَعِيفٌ جِدًّا مَجَازٌ عَنْ الْإِسْقَاطِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ غَاصِبٌ‏.‏

وَأَمَّا أَمْتِعَةُ الدَّارِ فَإِنْ مَنَعَ الْغَاصِبُ الْمَالِكَ مِنْهَا كَانَ غَاصِبًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ، وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا فَغَاصِبٌ، وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ سَكَنَ بَيْتًا‏)‏ مِنْ الدَّارِ ‏(‏وَمَنَعَ الْمَالِكَ مِنْهُ دُونَ بَاقِي الدَّارِ فَغَاصِبٌ لِلْبَيْتِ فَقَطْ‏)‏ لِقَصْدِهِ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ دُونَ بَاقِي الدَّارِ ‏(‏وَلَوْ دَخَلَ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ وَلَيْسَ الْمَالِكُ فِيهَا‏)‏، وَلَا مَنْ يَخْلُفُهُ مِنْ أَهْلٍ وَمُسْتَأْجِرٍ وَمُسْتَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ‏(‏فَغَاصِبٌ‏)‏ لَهَا وَإِنْ ضَعُفَ الدَّاخِلُ وَقَوِيَ الْمَالِكُ لِحُصُولِ الِاسْتِيلَاءِ فِي الْحَالِ وَأَثَرِ قُوَّةِ الْمَالِكِ وَسُهُولَةِ إزَالَتِهِ لَا تُمْنَعُ فِي الْحَالِ‏.‏ أَمَّا إذَا دَخَلَ لَا عَلَى قَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ، بَلْ يَنْظُرُ هَلْ تَصْلُحُ لَهُ أَوْ لِيَأْخُذَ مِثْلَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا حَتَّى لَوْ انْهَدَمَتْ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْهَا ‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ الْمَالِكُ فِيهَا ‏(‏وَلَمْ يُزْعِجْهُ فَغَاصِبٌ لِنِصْفِ الدَّارِ‏)‏ لِاسْتِيلَائِهِ مَعَ الْمَالِكِ عَلَيْهَا ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ‏)‏ الدَّاخِلُ ‏(‏ضَعِيفًا لَا يُعَدُّ مُسْتَوْلِيًا عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ‏)‏ فَلَا يَكُونُ غَاصِبًا لِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِيلَاءَ إذْ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ مَا لَا يُتَمَكَّنُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هَذَا وَسْوَسَةٌ وَحَدِيثُ نَفْسٍ، وَلَا يَكُونُ فِي صُورَةِ الْمُشَارَكَةِ السَّابِقَةِ غَاصِبًا لِلنِّصْفِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَقِيَاسُ مَا ذُكِرَ هُنَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَكَانَ الْمَالِكُ ضَعِيفًا وَالدَّاخِلُ بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ قَوِيًّا كَانَ غَاصِبًا لِلْجَمِيعِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَالِكِ الضَّعِيفِ مَوْجُودَةٌ، فَلَا مَعْنَى لِإِلْغَائِهَا بِمُجَرَّدِ قُوَّةِ الدَّاخِلِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا كَمَا قَالَ شَيْخِي أَوْجَهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

حَيْثُ لَا يُجْعَلُ غَاصِبًا لَا يَلْزَمُهُ أُجْرَةٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ لَوْ دَخَلَ سَارِقٌ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ وَتَخَبَّأَ فِي الدَّارِ لَيْلَةً فَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لِلْمَالِكِ‏.‏

وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مُشْكِلٌ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَهَذَا أَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ، أَنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي دَارِهِ لَيْلَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى عَبْدِ غَيْرِهِ شَيْئًا لِيُوصِلَهُ إلَى بَيْتِهِ، بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ كَانَ غَاصِبًا لَهُ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَطُرِدَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي شُغْلٍ، وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ إلَّا إذَا اعْتَقَدَ طَاعَةَ الْأَمْرِ، وَهَذَا أَيْضًا أَوْجَهُ‏.‏ قَالَ الْبَغَوِيّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ الزَّوْجَ بَعَثَ عَبْدَ زَوْجَتِهِ فِي شُغْلٍ دُونَ إذْنِهَا ضَمِنَهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَرْأَةِ قَدْ يَرَى طَاعَةَ زَوْجِهَا، فَهُوَ كَالْأَعْجَمِيِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ‏.‏ وَسُئِلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ رَجُلٍ أَخَافَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِسَبَبِ تُهْمَةٍ فَهَرَبَ لِوَقْتِهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَقَلَهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان بِقَصْدِ الِاسْتِيلَاءِ‏.‏ ا هـ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ نَقَلَهُ إلَخْ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مَسْكُهُ بِيَدِهِ كَافٍ، وَلَوْ اسْتَوْلَى عَلَى حَيَوَانٍ فَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتْبَعَهُ أَوْ هَادِي الْغَنَمِ فَتَبِعَهُ الْغَنَمُ لَمْ يَضْمَنْ التَّابِعَ فِي الْأَصَحِّ إذْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ غَصَبَ أُمَّ النَّحْلِ فَتَبِعَهَا النَّحْلُ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمَطْلَبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَعَلَى الْغَاصِبِ الرَّدُّ‏)‏ لِلْمَغْصُوبِ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ وَإِنْ عَظُمَتْ الْمُؤْنَةُ فِي رَدِّهِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَوَّلٍ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ ‏{‏عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ‏}‏ فَلَوْ لَقِيَ الْمَالِكَ بِمَفَازَةٍ وَالْمَغْصُوبُ مَعَهُ فَإِنْ اسْتَرَدَّهُ لَمْ يُكَلَّفْ أُجْرَةَ النَّقْلِ، وَإِنْ امْتَنَعَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بَرِئَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، وَلَوْ أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَشَرَطَ عَلَى الْغَاصِبِ مُؤْنَةَ النَّقْلِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ مِلْكَ نَفْسِهِ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ، وَفِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ فِي آخِرِ الْبَابِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ رَدَّ الدَّابَّةَ لِإِصْطَبْلِ الْمَالِكِ بَرِئَ إنْ عَلِمَ الْمَالِكُ بِهِ بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ إخْبَارِ ثِقَةٍ، وَلَا يَبْرَأُ قَبْلَ الْعِلْمِ وَأَقَرَّاهُ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُرْتَهِنِ بَرِئَ بِالرَّدِّ إلَيْهِمْ لَا إلَى الْمُلْتَقِطِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ، وَفِي الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْذُونٌ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ لَكِنَّهُمَا ضَامِنَانِ، وَلَوْ أَخَذَ مِنْ عَبْدٍ شَيْئًا ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ كَمَلْبُوسِ الْعَبْدِ وَآلَاتٍ يَعْمَلُ بِهَا بَرِئَ، وَكَذَا لَوْ أَخَذَ الْآلَةَ مِنْ الْأَجِيرِ وَرَدَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ مَعَ رَدِّ الْمَغْصُوبِ شَيْءٌ، وَيُسْتَثْنَى مَسْأَلَةٌ يَجِبُ فِيهَا مَعَ الرَّدِّ الْقِيمَةُ، وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَ أَمَةً فَحَمَلَتْ بِحُرٍّ فِي يَدِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لِمَالِكِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْحَامِلَ بِحُرٍّ لَا تُبَاعُ، ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَعَلَى الْغَاصِبِ التَّعْزِيرُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِيفَاؤُهُ لِلْإِمَامِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِبْرَاءِ الْمَالِكِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ صُوَرًا‏:‏ إحْدَاهَا إذَا مَلَكَهُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ وَذَلِكَ فِي حَرْبِيٍّ غَصَبَ مَالَ حَرْبِيٍّ وَلَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ بِالْغَصْبِ إلَّا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ الثَّانِيَةِ‏:‏ لَوْ غَصَبَ خَيْطًا وَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَلَا يَنْزِعُ مِنْهُ مَا دَامَ حَيًّا‏:‏ أَيْ إذَا كَانَ يَتَأَلَّمُ بِهِ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ غَصَبَ عَصِيرًا عُصِرَ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ فَتَخَمَّرَ عِنْدَهُ يُرِيقُهُ وَلَا يَرُدُّهُ‏.‏ الرَّابِعَةُ‏:‏ كُلُّ عَيْنٍ غَرَّمْنَا الْغَاصِبَ بَدَلَهَا لِمَا حَدَثَ فِيهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَا يَجِبُ رَدُّهَا عَلَى الْمَالِكِ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ تُبْتَلُ بِحَيْثُ يَسْرِي إلَى الْهَلَاكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ مَسْأَلَتَانِ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ مَا لَوْ غَصَبَ لَوْحًا وَأَدْرَجَهُ فِي سَفِينَتِهِ وَكَانَتْ فِي لُجَّةٍ وَخِيفَ مِنْ نَزْعِهِ هَلَاكُ مُحْتَرَمٍ فِي السَّفِينَةِ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَا يَنْزِعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ‏.‏ ثَانِيهُمَا‏:‏ تَأْخِيرُهُ لِلْإِشْهَادِ وَإِنْ طَالَبَهُ الْمَالِكُ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ هَذَا مُشْكِلٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِاسْتِمْرَارِ الْغَصْبِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ زَمَنٌ يَسِيرٌ اُغْتُفِرَ لِلضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ يُنْكِرُهُ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الرَّدِّ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ‏)‏ مُتَمَوَّلٌ بِآفَةٍ أَوْ إتْلَافِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ‏.‏ أَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَوَّلِ كَحَبَّةِ بُرٍّ أَوْ كَلْبٍ يُقْتَنَى وَزِبْلٍ وَحَشَرَاتٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَضْمَنُهُ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الزِّبْلِ قَدْ غَرِمَ عَلَى نَقْلِهِ أُجْرَةً لَمْ نُوجِبْهَا عَلَى الْغَاصِبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمُتَمَوَّلِ إذَا تَلِفَ مَسَائِلُ‏.‏ مِنْهَا مَا لَوْ غَصَبَ الْحَرْبِيُّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ بَعْدَ التَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ وَلَوْ كَانَ بَاقِيًا وَجَبَ رَدُّهُ‏.‏ وَمِنْهَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِرِدَّةٍ وَنَحْوِهَا فَقَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏ وَمِنْهَا الرَّقِيقُ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ إذَا غَصَبَ مَالَ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَمِنْهَا لَوْ قُتِلَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَاقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْقَاتِلِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ أَخَذَ بَدَلَهُ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ تَلِفَ لَا يَتَنَاوَلُ مَا إذَا أَتْلَفَهُ هُوَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ لَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَلِذَا قُلْتُ أَوْ إتْلَافٌ لَكِنْ لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ أَتْلَفَهُ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَوْ مَنْ يَرَى طَاعَةَ الْآمِرِ بِأَمْرِ الْمَالِكِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى الْمَالِكِ فَقَتَلَهُ دَفْعًا لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ سَوَاءٌ أَعَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِهَذِهِ الْجِهَةِ كَتَلَفِ الْعَبْدِ نَفْسِهِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ عِنْدَهُ مَا لَوْ تَلِفَ بَعْدَ الرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ بِإِجَارَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكُ فَتَلِفَ عِنْدَ الْمَالِكِ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَا لَوْ قُتِلَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَالِكِ بِرِدَّةٍ أَوْ جِنَايَةٍ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ اسْتِطْرَادًا يَقَعُ فِيهَا الضَّمَانُ بِلَا غَصْبٍ بَلْ بِمُبَاشَرَةٍ كَإِتْلَافٍ أَوْ سَبَبٍ كَفَتْحِ الْقَفَصِ، وَقَدْ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ، فَقَالَ ‏(‏وَلَوْ أَتْلَفَ مَالًا فِي يَدِ مَالِكِهِ ضَمِنَهُ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ‏.‏ مِنْهَا كَسْرُ الْبَابِ وَنَقْبُ الْجِدَارِ فِي مَسْأَلَةِ الظُّفْرِ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ دَفْعِ الصَّائِلِ إلَّا بِعَقْرِ دَابَّتِهِ وَكَسْرِ سِلَاحِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهَا مَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرَاقَةِ الْخَمْرِ إلَّا بِكَسْرِ آنِيَتِهِ وَمِنْهَا مَا يُتْلِفُهُ الْبَاغِي عَلَى الْعَادِلِ وَعَكْسُهُ حَالَةُ الْحَرْبِ، وَكَذَا مَا يُتْلِفُهُ الْحَرْبِيُّونَ عَلَيْنَا وَمَا يُتْلِفُهُ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْعَبْدَ الْمُرْتَدَّ وَالْمُحَارِبَ وَتَارِكَ الصَّلَاةِ وَالْحَيَوَانَ الصَّائِلَ بِقَتْلِهِ بِيَدِ مَالِكِهِ، وَلَوْ دَخَلَ دُكَّانَ حَدَّادٍ وَهُوَ يَطْرُقُ الْحَدِيدِ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ، فَأَحْرَقَتْ ثَوْبَهُ كَانَ هَدَرًا، وَإِنْ دَخَلَ بِإِذْنِ الْحَدَّادِ، وَخَرَجَ بِالْإِتْلَافِ التَّلَفُ فَلَا يَضْمَنُهُ، كَمَا لَوْ سَخَّرَ دَابَّةً وَمَعَهَا مَالِكُهَا فَتَلِفَتْ لَا يَضْمَنُهَا كَمَا قَالَهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ اكْتَرَى لِحَمْلِ مِائَةٍ فَحَمَلَتْ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَتَلِفَتْ بِذَلِكَ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

المتن‏:‏

وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ مَطْرُوحٍ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ، أَوْ مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ وَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ سَقَطَ بِعَارِضِ رِيحٍ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الثَّانِي‏:‏ وَهُوَ السَّبَبُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ فَتَحَ رَأْسَ زِقٍّ‏)‏ بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ السِّقَاءُ ‏(‏مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ‏)‏، وَتَلِفَ ‏(‏أَوْ‏)‏ زِقٍّ ‏(‏مَنْصُوبٍ فَسَقَطَ بِالْفَتْحِ‏)‏ لِتَحْرِيكِهِ الْوِكَاءَ وَجَذْبِهِ ‏(‏وَخَرَجَ مَا فِيهِ‏)‏، وَتَلِفَ أَوْ بِتَقَاطُرِ مَاءٍ فِيهِ وَابْتِلَالِ أَسْفَلِهِ بِهِ، وَلَوْ كَانَ التَّقَاطُرُ بِإِذَابَةِ شَمْسٍ أَوْ حَرَارَةٍ أَوْ رِيحٍ مَعَ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَسَالَ مَا فِيهِ وَتَلِفَ ‏(‏ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَالْإِتْلَافُ نَاشِئٌ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْبَاقِي سَوَاءٌ أَحَضَرَ الْمَالِكُ، وَأَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَمْ لَا كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ أَوْ حَرَقَ ثَوْبَهُ، وَأَمْكَنَ الدَّفْعُ فَلَمْ يَفْعَلْ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَمُولِيُّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَخَرَجَ مَا فِيهِ بِالْفَتْحِ عَمَّا إذَا كَانَ جَامِدًا، فَخَرَجَ بِتَقْرِيبٍ نَارٍ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُقَرِّبِ ‏(‏وَإِنْ سَقَطَ‏)‏ الزِّقُّ بَعْدَ فَتْحِهِ لَهُ ‏(‏بِعَارِضِ رِيحٍ‏)‏ أَوْ نَحْوِهَا كَزَلْزَلَةٍ وَوُقُوعِ طَائِرٍ أَوْ جُهِلَ الْحَالُ فَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ سُقُوطِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ ‏(‏لَمْ يَضْمَنْ‏)‏؛ لِأَنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ، وَلَيْسَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْعَارِضِ، وَلِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ فِي الثَّانِيَةِ، وَفَارَقَ حُكْمَ الْأُولَى إذَابَةُ الشَّمْسِ بِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مُحَقَّقٌ فَلِذَلِكَ قَدْ يَقْصِدُهُ الْفَاتِحُ بِخِلَافِ الرِّيحِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ الرِّيحَ لَوْ كَانَتْ هَابَّةً عِنْدَ الْفَتْحِ ضَمِنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ الْمُقَارِنِ وَالْعَارِضِ، فِيمَا إذَا أَوْقَدَ نَارًا فِي أَرْضِهِ فَحَمَلَهَا الرِّيحُ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، وَلَوْ قَلَبَ الزِّقَّ غَيْرُ الْفَاتِحِ فَخَرَجَ مَا فِيهِ ضَمِنَهُ دُونَ الْفَاتِحِ، وَلَوْ أَزَالَ وَرَقَ الْعِنَبِ فَفَسَدَتْ عَنَاقِيدُهُ بِالشَّمْسِ ضَمِنَهُ، أَوْ ذَبَحَ شَاةَ رَجُلٍ، فَهَلَكَتْ سَخْلَتُهَا أَوْ حَمَامَةٌ فَهَلَكَ فَرْخُهَا ضَمِنَهَا لِفَقْدِ مَا يَعِيشَانِ بِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَلَى مَاشِيَتِهِ وَلَوْ ظُلْمًا فَهَلَكَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ التَّالِفَ هُنَا جُزْءٌ أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْ الْمَذْبُوحِ بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ مَعَ مَالِكِهَا، وَبِأَنَّهُ هُنَا أَتْلَفَ غِذَاءَ الْوَلَدِ الْمُتَعَيَّنَ لَهُ بِإِتْلَافِ أُمِّهِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ، وَلَوْ أَرَادَ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ، فَمَنَعَهُ ظَالِمٌ مِنْ السَّقْيِ حَتَّى فَسَدَتْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ حَبَسَ الْمَالِكُ عَنْ الْمَاشِيَةِ خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْأَنْوَارِ مِنْ الضَّمَانِ‏.‏ وَلَوْ حَلَّ رِبَاطَ سَفِينَةٍ فَغَرِقَتْ بِحَلِّهِ ضَمِنَهُ أَوْ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَادِثٌ فَوَجْهَانِ‏:‏ أَوْجَهُهُمَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ الضَّمَانِ لِلشَّكِّ فِي الْمُوجِبِ كَمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ وَهَيَّجَهُ فَطَارَ‏)‏ فِي الْحَالِ ‏(‏ضَمِنَهُ‏)‏ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الْفِرَارِ كَإِكْرَاهِ الْآدَمِيِّ ‏(‏وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَتْحِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا طَارَ فِي الْحَالِ ضَمِنَ‏)‏؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ فِي الْحَالِ يُشْعِرُ بِتَنْفِيرِهِ ‏(‏وَإِنْ وَقَفَ ثُمَّ طَارَ فَلَا‏)‏ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّ طَيَرَانَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ لَمْ يَطِرْ‏.‏ وَالثَّالِثُ‏:‏ لَا يَضْمَنُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا وَاخْتِيَارًا، وَالْفَاتِحُ مُتَسَبِّبٌ، وَالطَّائِرُ مُبَاشِرٌ، وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى السَّبَبِ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ أَوْ فَتَحَ بَابًا فَخَرَجَتْ وَضَاعَتْ، وَفِيمَا لَوْ حَلَّ قَيْدَ رَقِيقٍ مَجْنُونٍ وَفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابَ، بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْعَاقِلِ وَلَوْ كَانَ آبِقًا؛ لِأَنَّهُ صَحِيحُ الِاخْتِيَارِ، فَخُرُوجُهُ عَقِبَ مَا ذُكِرَ يُحَالُ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ هِرَّةٌ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ وَقَتَلَتْهُ وَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ الْقَفَصَ، أَوْ لَمْ يُعْهَدْ ذَلِكَ مِنْهَا كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا أَوْ طَارَ فَصَدَمَ جِدَارًا فَمَاتَ أَوْ كَسَرَ فِي خُرُوجِهِ قَارُورَةً أَوْ الْقَفَصَ، ضَمِنَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ نَاشِئٌ مِنْ فِعْلِهِ؛ وَلِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْأُولَى بِمَعْنَى إغْرَاءِ الْهِرَّةِ، وَقَضِيَّةُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْهِرَّةُ حَاضِرَةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ كَعُرُوضِ رِيحٍ بَعْدَ فَتْحِ الزِّقِّ، وَلَوْ كَانَ الطَّائِرُ فِي أَقْصَى الْقَفَصِ فَأَخَذَ يَمْشِي قَلِيلًا قَلِيلًا، ثُمَّ طَارَ فَكَطَيَرَانِهِ فِي الْحَالِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَ الْقَفَصُ مَفْتُوحًا فَمَشَى إنْسَانٌ عَلَى بَابِهِ فَفَزَعَ الطَّائِرُ وَخَرَجَ ضَمِنَهُ، وَلَوْ أَمَرَ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونًا بِإِرْسَالِ طَائِرٍ فِي يَدِهِ فَأَرْسَلَهُ فَهُوَ كَفَتْحِ الْقَفَصِ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ حَلَّ رِبَاطًا عَنْ عَلَفٍ فِي وِعَاءٍ فَأَكَلَتْهُ فِي الْحَالِ بَهِيمَةٌ ضَمِنَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ قَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، بِأَنَّهُ لَوْ حَلَّ رِبَاطَ بَهِيمَةٍ، فَأَكَلَتْ عَلَفًا أَوْ كَسَرَتْ إنَاءً لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ اتَّصَلَ ذَلِكَ بِالْحَلِّ أَمْ لَا، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ فِي تِلْكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي التَّالِفِ بَلْ فِي الْمُتْلِفِ عَكْسُ مَا هُنَا، وَلَوْ خَرَجَتْ الْبَهِيمَةُ عَقِبَ فَتْحِ الْبَابِ لَيْلًا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْفَاتِحُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ، إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حِفْظُ بَهِيمَةِ الْغَيْرِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ وَقَفَ طَائِرٌ عَلَى جِدَارِهِ فَنَفَّرَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْعَهُ مِنْ جِدَارِهِ، وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ دَارِهِ فَقَتَلَهُ ضَمِنَهُ؛ إذْ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ، وَلَوْ فَتَحَ الْحِرْزَ فَأَخَذَ غَيْرُهُ مَا فِيهِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ اللُّصُوصَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ إذْ لَمْ تَثْبُتْ يَدُهُ عَلَى الْمَالِ وَتَسَبُّبُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْأُولَى قَدْ انْقَطَعَ بِالْمُبَاشَرَةِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ أَعْجَمِيٌّ أَوْ مِمَّنْ يَرَى طَاعَةَ آمِرِهِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْأَخْذِ، وَلَوْ بَنَى دَارًا، فَأَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ الْمُصَنِّفُ عَنْ طَيْرٍ بِلَا أَلِفٍ، إذْ هُوَ غَيْرُ طَائِرٍ فِي الْقَفَصِ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْمُصَنِّفُ فِي نُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ بِذَلِكَ‏.‏ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ‏:‏ أَنَّ الطَّائِرَ مُفْرَدٌ، وَالْجُمَعَ طَيْرٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا الْغَصْبَ، ثُمَّ إنْ عَلِمَ فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ، وَكَذَا إنْ جَهِلَ وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَوَدِيعَةٍ فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ وَإِنْ جَهِلَ صَاحِبُهَا‏)‏ أَيْ‏:‏ الْأَيْدِي ‏(‏الْغَصْبَ‏)‏ وَكَانَتْ أَيْدِي أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالْجَهْلُ لَيْسَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ بَلْ لِلْإِثْمِ فَيُطَالِبُ الْمَالِكُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا‏.‏ نَعَمْ يُسْتَثْنَى الْحَاكِمُ وَأَمِينُهُ فَإِنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى وَجْهِ الْحِفْظِ وَالْمَصْلَحَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَمَنْ انْتَزَعَ الْمَغْصُوبَ لِيَرُدَّهُ لِمَالِكِهِ إنْ كَانَ الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا وَرَقِيقًا لِلْمَالِكِ لَا غَيْرَهُمَا وَإِنْ كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ فِيمَا إذَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلضَّيَاعِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَةَ وَهَلَكَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ أَنَّ الزَّوْجَ يُطَالَبُ بِقِيمَتِهَا، وَالْمَذْهَبُ، أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهَا بِخِلَافِ الْمُودَعِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا فِي حِبَالِ الزَّوْجِ لَيْسَ كَحُلُولِ الْمَالِ فِي الْيَدِ، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الرَّهْنِ ‏(‏ثُمَّ إنْ عَلِمَ‏)‏ مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ الْغَصْبَ ‏(‏فَكَغَاصِبٍ مِنْ غَاصِبٍ‏)‏ حُكْمُهُ ‏(‏فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ‏)‏؛ لِأَنَّ حَدَّ الْغَصْبِ صَادِقٌ عَلَيْهِ، وَيُطَالَبُ بِكُلِّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْغَاصِبُ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ غَرِمَ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ إنْ غَرِمَ‏.‏ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي يَدِ الْأَوَّلِ أَكْثَرَ فَالْمُطَالَبُ بِالزِّيَادَةِ هُوَ الْأَوَّلُ خَاصَّةً، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَيَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَبْرَأَ الْمَالِكُ الْغَاصِبَ الْأَوَّلَ لَا يَبْرَأُ الثَّانِي، وَإِنْ أَبْرَأَ الثَّانِي بَرِئَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الَّذِي يَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْأَوَّلُ كَالضَّامِنِ عَنْهُ قَالَهُ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ يَسْتَقِرُّ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ ‏(‏إنْ جَهِلَ‏)‏ الْغَصْبَ ‏(‏وَكَانَتْ يَدُهُ فِي أَصْلِهَا يَدَ ضَمَانٍ كَالْعَارِيَّةِ‏)‏، وَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ وَالسَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى، الضَّمَانِ، فَلَمْ يَغُرَّهُ الْغَاصِبُ ‏(‏وَإِنْ‏)‏ جَهِلَ وَ ‏(‏كَانَتْ‏)‏ يَدُهُ ‏(‏يَدَ أَمَانَةٍ‏)‏ بِلَا اتِّهَابٍ ‏(‏كَوَدِيعَةٍ‏)‏ وَقِرَاضٍ ‏(‏فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ‏)‏ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْغَاصِبِ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ، فَإِنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَمِينِ وَإِنْ غَرِمَ هُوَ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ صَالَ الْمَغْصُوبُ عَلَى شَخْصٍ فَأَتْلَفَهُ، فَلَوْ كَانَ هُوَ الْمَالِكَ لَمْ يَبْرَأْ الْغَاصِبُ‏.‏ أَمَّا لَوْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ مِنْ شَخْصٍ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ إلَّا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ، وَلَوْ ضَاعَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْغَاصِبِ فَالْتَقَطَهُ إنْسَانٌ جَاهِلٌ بِحَالِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ لِلْحِفْظِ أَوْ مُطْلَقًا فَهُوَ أَمَانَةٌ، وَكَذَا إنْ أَخَذَهُ لِلتَّمَلُّكِ وَلَمْ يَتَمَلَّكْ، فَإِنْ تَمَلَّكَهُ صَارَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ ‏(‏وَمَتَى أَتْلَفَ الْآخِذُ مِنْ الْغَاصِبِ مُسْتَقِلًّا بِهِ‏)‏ أَيْ الْإِتْلَافِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ‏(‏فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا‏)‏، أَيْ‏:‏ سَوَاءٌ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ أَوْ أَمَانَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ أَقْوَى مِنْ إثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ مُسْتَقِلًّا عَمَّا إذَا حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ، وَبِهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ إنْ كَانَ لِغَرَضِ الْغَاصِبِ كَذَبْحِ الشَّاةِ وَطَحْنِ الْحِنْطَةِ، فَالْقَرَارُ عَلَى الْغَاصِبِ‏.‏ أَوَّلًا لِغَرَضٍ كَإِتْلَافِ الْمَالِ فَعَلَى الْمُتْلِفِ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ،‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً فَأَكَلَهُ فَكَذَا فِي الْأَظْهَرِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ بَرِئَ الْغَاصِبُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

أَوْ لِغَرَضِ الْمُتْلِفِ فَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَإِنْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَدَّمَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا ضِيَافَةً، فَأَكَلَهُ فَكَذَا‏)‏ الْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ وَإِلَيْهِ عَادَتْ الْمَنْفَعَةُ‏.‏ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّ الْآكِلَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ‏:‏ هُوَ مِلْكِي فَالْقَرَارُ عَلَى الْآكِلِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، لَكِنْ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ إنْ غَرِمَ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْآكِلِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ الْمِلْكَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ، بِأَنَّ الْمَالِكَ ظَلَمَهُ بِتَغْرِيمِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِ مَنْ ظَلَمَهُ، وَإِذَا قَدَّمَهُ لِعَبْدٍ وَلَوْ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَالْأَكْلُ جِنَايَةٌ مِنْهُ يُبَاعُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ مُوجِبِهَا بِرَقَبَتِهِ، فَلَوْ غَرِمَ الْغَاصِبُ رَجَعَ عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَهُ لِبَهِيمَةٍ، فَأَكَلَتْهُ وَغَرِمَ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَالِكِ إنْ لَمْ يَأْذَنْ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ ‏(‏وَعَلَى هَذَا‏)‏ أَيْ الْأَظْهَرِ‏.‏ فِي أَكْلِ الضَّيْفِ ‏(‏لَوْ قَدَّمَهُ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبُ ‏(‏لِمَالِكِهِ‏)‏ أَوْ لَمْ يُقَدِّمْهُ لَهُ ‏(‏فَأَكَلَهُ‏)‏ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ ‏(‏بَرِئَ الْغَاصِبُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ إتْلَافَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ، وَعَلَى الثَّانِي‏:‏ لَا يَبْرَأُ لِجَهْلِ الْمَالِكِ بِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَهُ، فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَبْرَأُ قَطْعًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا يَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَعُدْ الْمَغْصُوبُ هَالِكًا كَالْهَرِيسَةِ، وَإِلَّا فَلَا يَبْرَأُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَمْلِكُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَهُوَ إنَّمَا أَكَلَ مَالَ الْغَاصِبِ فَيَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْبَدَلُ لِلْمَالِكِ، وَلِهَذَا قَالَ الزُّبَيْرِيُّ‏:‏ لَوْ غَصَبَ سَمْنًا وَعَسَلًا وَدَقِيقًا وَصَنَعَهُ حَلْوَى وَقَدَّمَهُ لِمَالِكِهِ فَأَكَلَهُ لَمْ يَبْرَأْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالتَّالِفِ، وَانْتَقَلَ الْحَقُّ إلَى الْقِيمَةِ، وَلَا تَسْقُطُ عِنْدَنَا بِبَذْلِ غَيْرِهَا إلَّا بِرِضَا مُسْتَحِقِّهَا، وَلَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ ا هـ‏.‏

وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ أَيْضًا بِإِعَارَتِهِ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَاضِهِ لِلْمَالِكِ وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ أَخْذَ مَالِهِ بِاخْتِيَارِهِ بِإِيدَاعِهِ وَرَهْنِهِ، وَإِجَارَتِهِ وَتَزْوِيجِهِ مِنْهُ وَالْقِرَاضِ مَعَهُ فِيهِ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ؛ لِأَنَّ التَّسَلُّطَ فِيهَا غَيْرُ تَامٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَالِمًا، وَالتَّزْوِيجُ شَامِلٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى‏.‏ وَمَحِلُّهُ فِي الْأُنْثَى مَا لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا، فَإِنْ اسْتَوْلَدَهَا‏:‏ أَيْ وَتَسَلَّمَهَا بَرِئَ الْغَاصِبُ، لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِمَالِكٍ‏:‏ أَعْتِقْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ عَنْكَ فَأَعْتَقَهُ، وَلَوْ جَاهِلًا بِأَنَّهُ لَهُ عَتَقَ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي، وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ، وَيَقَعُ الْعِتْقُ عَنْ الْمَالِكِ، لَا عَنْ الْغَاصِبِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ مَعْنًى كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْغَاصِبِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعًا ضِمْنًا إنْ ذَكَرَ عِوَضًا وَإِلَّا فَهِبَةً بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا لَوْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا‏.‏